فجر جديد لسوريا
في لحظة تاريخية فارقة، طوت سوريا صفحة الماضي الأليم مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، لتشرق شمس عهد جديد يحمل معه آمالاً عريضة بمستقبل مختلف. ومثّل إعلان رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، عن تشكيل “حكومة التغيير والبناء” في أواخر مارس 2025، الخطوة التنفيذية الأولى نحو تجسيد هذه الآمال على أرض الواقع.
لم يكن الإعلان مجرد تغيير في الأسماء والحقائب، بل كان، كما وصفه الرئيس الشرع، “إعلاناً لإرادتنا المشتركة في بناء دولة جديدة”؛ دولة قوية ومستقرة تضع مصلحة الوطن والمواطن في مقدمة أولوياتها، وتقوم على أسس الشفافية والمساءلة. هذه الحكومة، المكونة من 22 وزيراً، ليست مجرد إدارة للمرحلة الانتقالية، بل هي اللبنة الأساسية في صرح “رؤية سوريا 2045″، الرؤية الطموحة التي تهدف إلى إعادة بناء سوريا وتحقيق نهضة شاملة تضعها في مصاف الدول المتقدمة بحلول منتصف القرن.
نهج التكنوقراط: بناء الدولة على أسس الخبرة والكفاءة
أكد الرئيس أحمد الشرع مراراً أن تشكيل الحكومة الجديدة “ابتعد عن المحاصصة، وذهب باتجاه المشاركة”، وأن الاختيار وقع على “أصحاب الخبرة والكفاءة” الذين همّهم الأول هو “بناء هذا البلد” وتحقيق “التغيير والتحسين”. هذا التوجه نحو “التكنوقراط” – أي الاعتماد على الخبراء والمتخصصين في إدارة شؤون الدولة – يمثل تحولاً جوهرياً في الفكر الإداري السوري، ويكتسب أهمية مضاعفة في هذه المرحلة الدقيقة.
فسوريا اليوم تقف أمام تحديات جسام تتطلب حلولاً عملية وعلمية مدروسة، بدءاً من إعادة بناء ما دمرته الحرب، مروراً بإنعاش الاقتصاد المنهار ومعالجة القضايا الاجتماعية العميقة، وصولاً إلى استعادة ثقة المواطن بمؤسسات دولته. وفي هذا السياق، يصبح الاعتماد على الكفاءة والخبرة التخصصية، بدلاً من الولاءات السياسية أو الانتماءات الضيقة، ضرورة حتمية وليست مجرد خيار.
إن اختيار وزراء بناءً على سيرهم الذاتية الحافلة بالإنجازات العلمية والعملية، سواء من داخل سوريا أو من أبنائها في المهجر – كما تعهد الرئيس الشرع باستقطابهم – يبعث برسالة قوية مفادها أن معيار الكفاءة هو الأساس، وأن الهدف هو المصلحة الوطنية العليا. هذا النهج لا يساهم فقط في تجاوز الانقسامات السياسية والتركيز على الأولويات التنموية الملحة، بل يعزز أيضاً الثقة المحلية والدولية في قدرة سوريا على التعافي والنهوض، ويشجع الكفاءات المهاجرة على العودة للمساهمة في بناء وطنهم.
محركات التعافي والتنمية: نظرة على الوزارات والوزراء الرئيسيين
إن تحقيق “رؤية سوريا 2045” يتطلب جهوداً جبارة عبر كافة القطاعات. وتشكيلة الحكومة الجديدة، بما تضمه من كفاءات متنوعة، تعكس إدراكاً عميقاً لحجم التحديات وأهمية وضع الشخص المناسب في المكان المناسب. نستعرض هنا أبرز القطاعات والوزراء الذين سيقودون مسيرة التغيير والبناء:
قطاع الاقتصاد وإعادة الإعمار: بناء الأساس للمستقبل
لا شك أن إعادة بناء الاقتصاد وتأهيل البنية التحتية يمثلان الأولوية الأكثر إلحاحاً لسوريا اليوم. ويتطلب هذا الملف الشائك خبرات اقتصادية ومالية وهندسية رفيعة، وهو ما سعت الحكومة الجديدة لتوفيره:
- وزارة المالية: أُسندت هذه الحقيبة الحساسة إلى محمد يسر برنيه، وهو شخصية ذات خبرة مالية ومصرفية عالية، حيث شغل سابقاً منصب رئيس الأسواق المالية في صندوق النقد العربي، وكان شريكاً مؤسساً لبنك الشام في سوريا. يُنتظر من خبرته المساهمة في إعادة هيكلة السياسات المالية، ومراجعة استراتيجيات الدين العام، وإعادة النظر في السياسة الضريبية بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة، وتقوية العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار النقدي.
- وزارة الاقتصاد: يقود هذه الوزارة محمد نضال الشعار، الذي يجمع بين الخبرة الأكاديمية (دكتوراه في الاقتصاد من جامعة جورج تاون) والخبرة الحكومية (وزير سابق للتجارة والاقتصاد ورئيس للمجلس الأعلى للاستثمار) والخبرة الدولية (مستشار وخبير لدى مؤسسات دولية كالبنك الدولي). يُعول على رؤيته في بناء نموذج اقتصادي كلي جديد، وتطوير البيئة التشريعية والاستثمارية لتشجيع القطاع الخاص، وتأهيل الصناعة وحماية المنتج المحلي، وضمان الاستثمارات الأجنبية والمحلية عبر تبسيط الإجراءات وتوفير بيئة آمنة وجاذبة.
- وزارة الطاقة: يواجه هذا القطاع تحديات هائلة، وقد تم اختيار محمد البشير لقيادته. بخلفيته كهندس كهرباء وإلكترونيات (جامعة حلب)، وخبرته السابقة في الشركة السورية للغاز، بالإضافة إلى تجربته كرئيس للحكومة السورية الانتقالية الأولى ورئيس لحكومة الإنقاذ، يمتلك البشير فهماً عميقاً لتعقيدات الملف الإداري والفني. ويتمثل التحدي الأكبر في تنفيذ التعهد الحكومي بإصلاح قطاع الطاقة لتوفير الكهرباء بأقصى سرعة وعلى مدار الساعة، وإنشاء محطات جديدة تلبي احتياجات المواطنين والصناعة.
- وزارة النقل: يعود لقيادة هذه الوزارة يعرب سليمان بدر، الذي شغل نفس المنصب سابقاً (2006-2011). يحمل الدكتور بدر شهادة الدكتوراه في علوم النقل من باريس، وعمل كمستشار إقليمي للنقل واللوجستيات لدى الإسكوا (الأمم المتحدة)، بالإضافة لخبرته الأكاديمية كأستاذ جامعي. يُنتظر من هذه الخبرة الواسعة إعادة تأهيل وتطوير شبكات النقل والمواصلات والطرق، وربطها إقليمياً ودولياً لدعم حركة التجارة والأفراد.
- وزارة الزراعة: يقع على عاتق أمجد بدر، الحاصل على دكتوراه في الاقتصاد الزراعي، مسؤولية تحقيق الأمن الغذائي والاستغلال الأمثل للموارد. خبرته البحثية في الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومشاركته في مشاريع دولية تؤهله لوضع استراتيجيات فعالة لتحديد الموارد المتاحة، التوسع في الزراعة، تطوير البنى التحتية الزراعية، ودعم المحاصيل الاستراتيجية ورعاية المزارعين.
- وزارة الأشغال العامة والإسكان: يتولى هذا الملف الحيوي المهندس المدني مصطفى عبد الرزاق. خبرته الميدانية المكتسبة من الإشراف على تنفيذ عشرات المشاريع وإدارة المشاريع في شمال غرب سوريا، بالإضافة إلى تخصصه في إدارة الأشغال والطرق، تجعله مؤهلاً لقيادة جهود إعادة بناء البنية التحتية والإسكان، وإنشاء صناديق الدعم اللازمة لجهود إعادة الإعمار.
- وزارة السياحة: بهدف تحويل سوريا إلى وجهة سياحية عالمية، تم اختيار مازن الصالحاني لقيادة الوزارة. بخبرته الواسعة في إدارة الأعمال والمشاريع (ماجستير من أمريكا ودبلوم عالي من كندا)، وتأسيسه وإدارته لمجموعة شركات ساهمت في مشاريع سياحية وضيافة كبرى في المنطقة والعالم، يمتلك الصالحاني الرؤية والخبرة اللازمة لإعادة تأهيل القطاع السياحي وجذب الاستثمارات إليه.
- وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات: يقودها رائد الأعمال التكنولوجي عبد السلام هيكل، مؤسس شركات برمجيات ومعالجة لغة عربية رائدة، ورئيس مجلس إدارة “مجرّة” (الناشرة لهارفارد بزنس ريفيو العربية). خبرته الواسعة في عالم التكنولوجيا والإعلام الرقمي، وعلاقاته الدولية (كعضو مجلس أمناء الجامعة الأمريكية في بيروت والمجلس الاستشاري للغة العربية في الإمارات)، تؤهله لقيادة الجهود نحو تحقيق الهدف الطموح بتحويل سوريا إلى عقدة اتصالات إقليمية، وإنشاء بنية تحتية رقمية قوية، وتعزيز التحول الرقمي في الخدمات الحكومية والاقتصاد، وجذب الاستثمارات التقنية.
قطاع التنمية البشرية والاجتماعية: الاستثمار في الإنسان السوري
تدرك الحكومة الجديدة أن بناء المستقبل لا يقتصر على الحجر، بل أساسه بناء الإنسان. لذا، يحظى قطاع التنمية البشرية والاجتماعية بأهمية خاصة، ويقوده وزراء ذوو كفاءات عالية:
- وزارة التعليم العالي: يقودها مروان الحلبي، الطبيب المتخصص ذو السجل الأكاديمي والبحثي الحافل (أكثر من 60 بحثاً منشوراً، شهادات عليا متعددة من سوريا وفرنسا). يُتوقع من خبرته الواسعة في المجال الطبي والأكاديمي تطوير المناهج والبحث العلمي في الجامعات السورية، ورفع مستوى التعليم العالي ليتواكب مع المعايير العالمية، والمساهمة في تخريج كوادر مؤهلة تخدم “رؤية سوريا 2045”.
- وزارة التربية والتعليم: يتولاها محمد تركو، الذي يجمع بين الخبرة الأكاديمية (دكتوراه في الحقوق من ألمانيا، عضو هيئة تدريس) والخبرة الإدارية (نائب رئيس جامعة دمشق). إتقانه لعدة لغات (الكردية، الألمانية، الإنجليزية) قد يفتح آفاقاً للتعاون الدولي في مجال تطوير التعليم الأساسي والثانوي، وتطبيق أفضل الممارسات التربوية.
- وزارة الصحة: أُسندت إلى مصعب نزار العلي، جراح الأعصاب البارز الذي اكتسب خبرة عالمية من خلال تخصصه وعمله في ألمانيا. خلفيته كطبيب متميز وناشط ثوري من دير الزور تمنحه فهماً عميقاً لاحتياجات القطاع الصحي المنهك. يُعول عليه في تنفيذ خطة إعادة بناء النظام الصحي، وتأهيل المستشفيات، وتطوير الكوادر الطبية، والاستفادة من خبرات الأطباء السوريين في الخارج.
- وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل: تقودها هند قبوات، الناشطة المعروفة في مجال المجتمع المدني وبناء السلام، والحائزة على جوائز دولية. بخبرتها الواسعة في العمل مع المنظمات الدولية (كالبنك الدولي وإنتربيس) والمحلية، ودراساتها العليا في القانون والدبلوماسية، ودورها في هيئة المفاوضات، تمتلك قبوات رؤية شاملة لمعالجة القضايا الاجتماعية المعقدة، وتمكين المرأة، ودعم الفئات الهشة، وتعزيز الحوار والمصالحة المجتمعية.
- وزارة الأوقاف: يتولاها الدكتور محمد أبو الخير شكري، الذي يجمع بين العلوم الشرعية (كلية الدعوة، ماجستير ودكتوراه دراسات إسلامية) والقانون (كلية الحقوق، أستاذ في المحاماة). يُنتظر منه إدارة الشؤون الدينية برؤية معتدلة، وتعزيز دور المؤسسة الوقفية في التنمية المجتمعية، والتركيز على القيم الإنسانية المشتركة وحقوق الإنسان (كما يعكس عنوان رسالة الدكتوراه عن حقوق الطفولة).
- وزارة الثقافة: يقودها المثقف والشاعر محمد ياسين صالح. بخلفيته الأكاديمية في اللسانيات والترجمة (جامعات لندن وويستمنستر)، وخبرته في الصحافة والإعلام الثقافي، ومؤلفاته الأدبية، يُنتظر منه إثراء المشهد الثقافي السوري، ودعم المبدعين، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، ومد جسور التواصل الثقافي مع العالم.
قطاع الحوكمة والعلاقات الخارجية: بناء دولة المؤسسات واستعادة المكانة
إن بناء دولة حديثة يتطلب مؤسسات قوية وفعالة تعمل بسيادة القانون، وعلاقات خارجية متوازنة تخدم المصالح الوطنية العليا. وتضم الحكومة الجديدة شخصيات يُناط بها تحقيق هذه الأهداف الحاسمة:
- وزارة الداخلية: يتولى أنس خطاب هذه الوزارة الأمنية الهامة، بالإضافة إلى استمراره في رئاسة الاستخبارات. هذا التكليف المزدوج يشير إلى مركزية الملف الأمني في المرحلة الانتقالية، ويُنتظر منه العمل على تنفيذ التعهد الحكومي بإعادة بناء المؤسسات الأمنية بطريقة احترافية تضمن استعادة الأمن للمواطنين ومكافحة كافة التهديدات، مع التركيز على حقوق الإنسان وسيادة القانون.
- وزارة الدفاع: يستمر مرهف أبو قصرة في منصبه، في إشارة إلى استمرارية العمل على تنفيذ التعهد ببناء جيش وطني مهني احترافي، يكون ولاؤه للوطن وحماية حدوده ومؤسساته الدستورية.
- وزارة العدل: يقودها مظهر الويس، الذي يجمع بين دراسة الطب والفقه المقارن، ويحمل تجربة قاسية كمعتقل سياسي سابق. هذه الخلفية الفريدة قد تمنحه منظوراً خاصاً حول أهمية إرساء العدالة وإصلاح النظام القضائي ومحاربة الفساد، وهي من أبرز تعهدات الحكومة الجديدة. خبرته السابقة كرئيس لهيئة شرعية قد تساهم أيضاً في جهود المصالحة والعدالة الانتقالية.
- وزارة الخارجية والمغتربين: يستمر أسعد الشيباني في قيادة دبلوماسية البلاد، مما يشير إلى رغبة في الحفاظ على استقرار وثبات نسبي في إدارة الملفات الخارجية المعقدة. الهدف المعلن هو “الحفاظ على استقرار العلاقات الخارجية بما يؤمن المصالح المستدامة لسوريا وأصدقائها”، ويُتوقع من الوزير الشيباني وفريقه العمل على إعادة سوريا إلى مكانتها الطبيعية في المجتمع الدولي، وحشد الدعم لعملية إعادة الإعمار، ورعاية شؤون المغتربين السوريين وتشجيع عودتهم.
- وزارة الإدارة المحلية والبيئة: يتولاها الشاب محمد عنجراني (مواليد 1992)، المهندس الميكانيكي الذي انخرط في الثورة مبكراً وتقلّد مناصب إدارية في هياكل المعارضة (مسؤول إدارة محلية، رئيس هيئة رقابة، وزير إدارة محلية في حكومة الإنقاذ). خبرته العملية في إدارة الشأن المحلي في ظروف صعبة، رغم صغر سنه، تؤهله للعمل على بناء نظام إدارة محلية فعال يمنح المحافظات والمناطق صلاحيات أوسع، ويشرك المواطنين في اتخاذ القرارات التي تمس حياتهم، بالإضافة إلى معالجة التحديات البيئية الملحة.
- وزارة الإعلام: يقودها حمزة مصطفى، الأكاديمي والإعلامي (دكتوراه من بريطانيا، باحث سابق، مدير عام تلفزيون سوريا). يُنتظر منه العمل على بناء مشهد إعلامي جديد يتسم بالمهنية والمصداقية والحرية المسؤولة، ويعكس تطلعات السوريين في مرحلة ما بعد التغيير.
- وزارة التنمية الإدارية: يتولاها محمد سكاف، الحاصل على ماجستير في الإدارة وصاحب الخبرة في إدارة الموازنات والموارد البشرية والهياكل التنظيمية ضمن هياكل حكومة الإنقاذ. يُناط به مهمة تحديث الجهاز الإداري للدولة، وتبسيط الإجراءات، ورفع كفاءة الموظفين، وتطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة، بما يخدم أهداف الشفافية ومكافحة الفساد.
وزارات مستحدثة وتركيز استراتيجي: تلبية احتياجات المستقبل
لم تقتصر التغييرات على الوجوه، بل شملت استحداث وزارات جديدة تعكس إدراكاً لأولويات المرحلة وتطلعات المستقبل، وتعيين وزراء ذوي خبرات نوعية في مجالات حيوية:
- وزارة الطوارئ والكوارث: يمثل تأسيس هذه الوزارة بقيادة رائد الصالح، مؤسس ومدير منظمة “الخوذ البيضاء” ذات الصيت العالمي، خطوة استباقية مهمة. خبرة الصالح الواسعة في الاستجابة الإنسانية وإدارة الأزمات، والتي نال عليها وفريقه تقديراً دولياً واسعاً (بما في ذلك ترشيحات لجائزة نوبل وجائزة أوسكار)، ستكون حاسمة في بناء نظام استجابة وطني سريع وفعال لمواجهة أي تحديات أو كوارث طبيعية أو من صنع الإنسان، وضمان حماية المواطنين في الأوقات الصعبة.
- وزارة الرياضة والشباب: يعكس إنشاء هذه الوزارة بقيادة محمد سامح حامض، الذي ترأس سابقاً الاتحاد الرياضي العام وحقق نجاحات ملموسة، إيماناً بالدور المحوري للشباب في بناء مستقبل سوريا. يُنتظر من الوزير حامض العمل على تطوير القطاع الرياضي، وتوفير الفرص للشباب لتنمية مهاراتهم والمساهمة بفعالية في مختلف جوانب الحياة العامة.
تكامل الجهود نحو “رؤية سوريا 2045”
إن استعراض خلفيات وخبرات وزراء “حكومة التغيير والبناء” يكشف عن مزيج فريد من الكفاءات الأكاديمية والمهنية والخبرات الإدارية المكتسبة في الداخل والخارج، سواء في القطاع العام أو الخاص أو في هياكل المعارضة ومنظمات المجتمع المدني. هذا التنوع، إذا ما تم توظيفه بشكل متكامل ومنسق، يبشر بالخير ويشكل قوة دفع حقيقية نحو تحقيق الأهداف الطموحة لـ “رؤية سوريا 2045”.
فخبرة وزير الاقتصاد في جذب الاستثمارات تتكامل مع جهود وزير الأشغال في إعادة بناء البنية التحتية، ومع خطط وزير الطاقة لتوفير الكهرباء، ومع رؤية وزير الاتصالات لبناء اقتصاد رقمي. وجهود وزيرة الشؤون الاجتماعية في تمكين المجتمع تتكامل مع خطط وزيري التعليم والصحة لبناء الإنسان، ومع سعي وزير العدل لإرساء سيادة القانون. واستقرار العلاقات الخارجية الذي يعمل عليه وزير الخارجية يوفر بيئة داعمة لجهود وزير السياحة ووزير المالية وبقية الفريق الحكومي.
إنها منظومة عمل متكاملة، يقودها رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وتعتمد على الكفاءة والخبرة كمعيار أساسي، وتضع نصب أعينها هدفاً واحداً: بناء سوريا الجديدة، سوريا الديمقراطية، سوريا المزدهرة، سوريا 2045.
تفاؤل حذر وأمل بالمستقبل
لا شك أن الآمال المعقودة على هذه الحكومة كبيرة بحجم التحديات التي تواجهها. فتركة عقود من الاستبداد وسنوات من الحرب المدمرة لا يمكن محوها بقرار أو بين ليلة وضحاها. الطريق طويل وشاق، ويتطلب عملاً دؤوباً وتضحيات وصبرًا.
لكن تشكيل حكومة من الكفاءات والتكنوقراط، بعيداً عن المحاصصة، يمثل بحد ذاته خطوة جبارة في الاتجاه الصحيح، ويوفر شرطاً أساسياً للنجاح طال انتظاره. إن وجود الخبرات المناسبة في المواقع القيادية، مع الالتزام المعلن بمحاربة الفساد وإرساء الشفافية والمساءلة، يبث تفاؤلاً حذراً ولكنه حقيقي في النفوس.
يبقى الرهان الأكبر على قدرة هذه الحكومة على ترجمة الوعود والخطط إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية، وعلى مدى تكاتف جميع السوريين، في الداخل والخارج، لدعم جهود البناء والتغيير. إنها مسؤولية تاريخية مشتركة لرسم ملامح مستقبل سوريا المشرق الذي بدأت تباشيره تلوح في الأفق.